حريق الأوبرا
من حرق
الأوبرا الخديوية، وأبكى المصريين على صرح تاريخى لا يعوض، تمت إبادته ومحوه بفعل
فاعل.. سؤال نعيد طرحه بمناسبة مرور 47 عامًا بالتمام والكمال على الحدث المشئوم،
فقد استيقظت مصر صباح التاسع والعشرين من أكتوبر عام 1971 على خبر حريق دار
الأوبرا المصرية، أحد أهم الآثار الثقافية بمصر، التي غنى على مسرحها كبار
المطربين المصريين والعرب والأجانب. وكالعادة المتهم الأول كان الماس الكهربائى.
يقول الدكتور جابر البلتاجى، نائب مدير دار الأوبرا المصرية الأسبق،
إن أصابع الاتهام فى أول الأمر أشارت إلى الماس الكهربائى، لكن حريق الأوبرا تم
بفعل فاعل، لأنه قبل الجريمة بشهرين كان هناك تجديد بالفعل لشبكة الكهرباء بالمبنى
والشبكة كانت جديدة، خصوصًا أن البعض أبلغ عن سرقة بعض محتويات دار الأوبرا مثل
النجفة الكبيرة التى لا يمكن أن تخرج دون فكها إلى أجزاء، وبعض الأثاث.
لكن
الأهم من ذلك، كما يقول الدكتور البلتاجى، هو اختفاء « برتاتورة» أوبرا عايدة
الأصلية، وهى عبارة عن مجلد ضخم يضم التفريغ الإخراجى الكامل لتفاصيل العمل الفنى،
التى كتبها مؤلفها الإيطالى العالمى (فيردى) بخط يده، كما سرقت ملابس لا تقدر
بثمن، كان يرتديها الفنانون العالميون أثناء العروض على مسرح الأوبرا.
ويفجر الدكتور جابر
مفاجأة، وهى أن الصحف الإيطالية ذكرت عام 1976- أى بعد الحريق بخمس سنوات، أن أحد
كبار قيادات الأوبرا يعرض هذه البرتاتورة للبيع فى إيطاليا، وأن صديقه الفنان حسن
كامى أبلغه بهذا الخبر، وقال إن الصحف الإيطالية ذكرت اسم البائع الذى كان يشغل
منصبًا رفيعًا فى دار الأوبرا، إضافة إلى أن الحريق تم قبل الجرد بأيام قليلة، ما
يؤكد سرقة واختلاس بعض المقتنيات
.
ويستعيد
«البلتاجى» ذكرى النكبة ويقول: اتصل بى فى صباح اليوم المشئوم صديق يسكن بجوار
الأوبرا, ليبلغنى أن الأوبر تحترق, فنزلت على الفور لأجد نفسى أمام كابوس لا تصدقه
عيناى, فسقطت على الأرض من هول الصدمة, وأفقت لأجد المغنى الأوبرالى زميلى أتينور
جريجوار بجوارى ورجال المطافئ يساندوننى.

اعتزم أن يدعو إليه عدداً كبيراً من ملوك وملكات أوروبا, وتم بناء الأوبرا خلال ستة أشهر فقط, بعد أن وضع تصميمها المهندسان الإيطاليان أفوسكانى وروس, وكانت رغبة الخديو إسماعيل متجهة نحو أوبرا مصرية يفتتح بها دار الأوبرا الخديوية, وهى أوبرا عايدة, وقد وضع موسيقاها الموسيقار الإيطالى «فيردى», لكن الظروف حالت دون تقديمها فقدمت أوبرا ريجوليتو فى الافتتاح الرسمى الذى حضره الخديو إسماعيل والإمبراطورة أوجينى زوجة نابليون الثالث, وملك النمسا, وولى عهد بروسيا, وكانت دار الأوبرا الخديوية التى احترقت فجر 28 أكتوبر عام 1971 تتسم بالعظمة والفخامة. والتهمت النيران مناظر الأوبرات والباليه التى تركتها الفرق الأجنبية هدية للدار, واعترافاً منها بالدور الرائد لمصر فى نشر تلك الفنون الرفيعة, كما احترقت لوحات كبار المصورين التى كانت معلقة على جدار الأوبرا والآلات الموسيقية ونوتات مئات الأوبرات والسيمفونيات, وهكذا احترقت الأوبرا القديمة التى زارها العظماء من الفنانين الفرنسيين والإيطاليين والروس والإنجليز وغيرهم, وتم تدمير المبنى المقام على الطراز الإيطالى وبُنى مكانه جراج للسيارات, ولم يتبق منها سوى تمثالى «الرخاء» و«نهضة الفنون» اللذين أقامهما الفنان محمد حسن (1892 -1961) فى عام 1948 بحجم يزيد على الحجم الطبيعى, أحدهما يعبر عن الرخاء والثانى يعبر عن نهضة الفنون