




وقد قام إدوارد لين ياستئجار اثنين من رجال البدو من أقرب قرية كي يناما عند باب المقبرة التي يعيش فيها تحسبا لهجوم بدو آخرين عليه.
وقد اطلع لين علي سيرة أبوزيد الهلالي أو السيرة الهلالية من بعض رواتها علي مقاهي القاهرة ومن أحد الجنود الفارين من جيش محمد علي باشا والذي لجأ طالبا الإقامة معه في المقبرة الأثرية حيث كان لين يسمعه كل مساء ينشد مقاطع من السيرة الهلالية التي اعتبرها لين ذات ميزة أدبية معتبرة وهي برأيه سجل للسلوك والعادات البدوية، وقد كتب لين فصلا كاملا عن السيرة الهلالية في كتابه »المصريون المعاصرون«. إلا أن بقاءه في المقبرة الأثرية، وطوافه اليومي المتجدد بمنطقة الأهرامات ومايحيطها من مصاطب ومقابر مكنت إدوارد لين خلال أسبوعين من العمل المكثف من رسم خريطة لكل الموقع ورسم لوحات عديدة أكثرها شديدة الجودة، كما قام بقياس دقيق لكثير من الآثار وقام بتجهيز وصف تفصيلي للأهرامات الثلاثة الكبري الأساسية وأبو الهول واختبر عدة مصاطب مهمة في الجبانة الشرقيةوالغربية والمقابر المنحوتة من الحجر خلف أبو الهول وقد جاءت النتيجة متفوقة علي ماسبقها من تجارب غربية في مجال علم الآثار المصرية وبالتحديد الموسوعة الفرنسية التي تحمل وصف مصر أيضا.
وكان إدوارد لين معنيا جدا بالآثار المصرية القديمة وكان عند بداية قدومه إلي مصر يكرس أكثر من نصف وقته للآثار الفرعونية ولإنجاز كتابه الثري وصف مصر إلي جانب اهتمامه أيضا بالمجتمع العربي المعاصر وباللغة العربية التي مكنته من إنجاز ألف ليلة وليلة. وقد كان لين مولعا بالحضرة المهيبة لمشهد الأهرامات فوق التل الشامخ، وكان يذهب مع بزوغ الفجر قبل انفراج الضوء وتوهجهه إلي الهرم الأكبر بصحبة خادمه، ليشهد غروب القمر وشروق الشمس علي الجسد المهيب للهرم الأكبر حيث تكون الرياح قوية والصقيع شديدا لكنه يصمد لأجل سحر اللحظة.
من القاهرة إلي النوبة.. من مصر الفرعونية إلي القاهرة الشعبية.. فتح إدوارد ويليام لين عقله وقلبه للحضارة السخية بمعابدها وأهراماتها ومآذنها وكنائسها ليضع أكثر كتبه أهمية عنها، بعين عاشق مبهور يسكب السحر في قلمه ليسبي الأفئدة وينقل فضل الثقافة الشرقية بترجمة رفيعة للنص العالمي الأبهي: ألف ليلة وليلة حيث در الحكي وألقه البراق.. ولتكون إنجازاته جسرا للتواصل بين الحضارة الشرقية والغربية بوعي وتنوير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق