الزار
جاء في
دائرة المعارف الإسلامية : إن كلمة زار مشتقة من جار DJAR كبير آلهة الكوشيين الذي يتغير اسمه لدى بعض الطوائف إلى يارو
YARO أو دارو
DARO ، وظهر منه في إطار
المسيحية الحبشية اسم روح شريرة هو زار ZAR الذي استعـاره المسيحيون الأحباش من بعض القبائل الوثنية
وتبدأ مراسم الزار بقيام الكدية وهى شيخة الزار بوضع كرسيًا في وسط المجلس
وتجلس عليه صاحبة المنزل الذي أقيم لها الزار، وتحضر فرختين وديكا، وتربط أرجلها، ثم
تضع الديك على رأسها والفرختين على أكتافها، ثم تتلو قراءات معهودة، وتنشد أناشيد والفراخ
تصرخ كأمر طبيعى هلعا من دقات الدفوف وأصوات المنشدين ، وجميع الحاضرون يرددن: « دستور
يا أسيادي مدد يا أهل الله ، والكدية وأعوانها يضربن بالدفوف وينشدن الأناشيد على نغمات
مختلفة، ثم يقتربن من صاحبة المنزل ويجعلوها تلف فى حلقة الزار والكوديه تمسكها من
زراعيها وهى تتمايل معها على أيقاع الدفوف
حتى تركع أمام الضاربات فى نهاية اللفه السابعه،: ثم تقوم الكوديه بتلقين صاحبة المنزل وتقول: السلام عليكم، فيقال
لها: أهلا وسهلا، من أنت ؟ تقول هي: أنا الشيخ عبد السلام، مثلا، فتضرب حين ذلك على
الدف نغمات تسمى الشيخ عبد السلام، ثم تجيء إحداهن بملابس الأسياد، وهي عباءة مزركشة
بالقصب وطربوش مكلل باللؤلؤ، وسيف وخنجر ملبسان بالفضة، فتتقلد السيف وتمسك الخنجر
بيدها، وتقف متمايلة أمام ذلك الجمع، والآلات تضرب، والأناشيد تنشد فترقص صاحبة المنزل
رقصا عجيبا حتى إذا فرغ الدور قامت الكدية، وكيست صاحبة المنزل، فينصرف الشيخ عبد السلام
إلى حاله، ثم تدعي صاحبة المنزل أنه قد لبستها زوجة الشيخ عبد السلام، فتقول بصوت رفيع:
السلام عليكم يا ستات فيحضرون لها ملابس نسائية تناسب زوجة الشيخ عبد السلام، كل بدلة
من الحرير، ولها لون خاص، وخواتم وخلاخيل وأساور، ثم يضربن لها الضربات التي تناسب
حرم الشيخ عبد السلام: وتبدأ الأناشيد كالتالى
- فاتحة الحفلة والصلاة عليه، صلوا عليه، النبي العربي، صلوا عليه
... أمام الهدى، اه يا ماما، بدر التمام يا محمد، نصبوا الكراسي ياماى بدى السماح ياماى،
برّ الهدى يا ماما، صاحب العوايد ماما، صاحب الدبايح ماما، نصبوا الميدان يا ماما،
اه يا زهر الورد يا ماما... الكلام هنا باللهجة السودانى على دقات الطبول
والمزمار..سلام على أم الغلام، يا مرحبة يا أم غلام، سلام على أم غلام، يا مرحبة بأم
غلام، ردوا السلام على أم غلام، يا بنت ماما يا أم غلام: يا أم الغلام والعفو منك،
يا أم الغلام بيني برهانك، يا أم الغلام واشفي عيانك، يا أم الغلام والطبل طبلك، يا
أم الغلام والليلة ليلتك
الزار هو مجموعة من الطقوس الشعبية، لها رقصات خاصة، وعبارات خاصة، تصاحبها
دقات معينة صاخبة على الدفوف وإطلاق البخور. والزار كلمة عربية مستعارة على الأرجح
من اللغة الأمهرية، ويذهب بعض الباحثين إلى أن أصل كلمة الزار عربي، وهي من زائر النحس.
ولذلك فالزار يقوم عند معتقديه بوظيفة علاجية. ويبدو أن المعتقدات الشائعة في طرد عفاريت
الزار أو جنه قد انتقلت من الحبشة إلى العالم الإسلامي. والراجح أن الطقوس المتصلة
بالزار في مصر قد انتقلت إليها في القرن 19، وهى مختصة بطرد العفاريت واستحضارها
".
تعقد حفلة
الزار بغرض الشفاء من الأرواح
الشريرة التى تصيب إنسان ما، فهي عبارة عن عقد صلح مؤقت مع
هذه الأرواح حتى تترك المصاب بها... عن طريق الوسيط تدعى "الشيخة" أو
"الكودية". فهم يطلقون البخور ويدقون الطبول الصاخبة، ويهتزون
الاهتزازات الشيطانية مع ترديد بعض الأناشيد التى ذكرناها من قبل يحضر الروح الشرير ويتحدث
على لسان المريض بصوت مختلف عن صوته، ويطلب طلبات يسرع الحاضرون بإحضارها مثل بعض
الملابس ذات ألوان معينة أو مكياج أو ذهب... ويذبح خروف ويوضع قليل من دمه على
ملابس المريض الذي عليه أن يشرب قليلا من دم الخروف أو من دم دجاجة مذبوحة...
تضاء الشموع ويجلسون للأكل وقد يهدأ تعذيب الروح الشرير لهذا الأنسان ولو
لفترة محدودة، فيظن الناس بأنه قد شفى .. ويتنوع الزار من طبقة اجتماعية الى اخرى فالثراء يؤثر
بشكل ملحوظ في الاعداد للزار من نواح عديدة مثلا وجود فرقة واحدة أو ثلاث فرق
كاملة للزار كما ان الذبائح تختلف كما ونوعا وفقا لثراء من سيقام له الزار، كذلك
النقوط وثمن البخور او ما يقال له 'فتح العلبة' الذي يدفعه احباب العروسة للكودية
وحدها، اما الزارات الفقيرة فتكتفي غالبا بفرقة واحدة تقوم بتأدية كافة مراحل
الزار وقد تكون الذبائح في هذه الحالة أرنبا او دجاجة أو زوج حمام وفي الزارات
الثرية قد تكون الذبيحة عجلا أو أكثر وقد تكون خرافا
الحلقة الثانية
.. أشهر
مكان يقام فيه الزار بالقاهرة هو حي 'ابوالسعود' وهو قريب من منطقة مصر القديمة
وتقام فيه يوم الثلاثاء تحديدا اربع حضرات في بيوت مختلفة، ولا أحد يعرف لماذا يوم
الثلاثاء بالضبط ولكن الاغلب في ذلك ان سيدي 'ابوالسعود' توفي ليلة الاربعاء اي
يوم الثلاثاء، وسبب اقامة الحضرة في مسجد ابي السعود هو الاعتقاد في حضور الشيخ،
خاصة ان نسبه يمتد الى سيدي زين العابدين ابن الامام الحسين بن علي رضي الله
عنهما، ومن هنا يعتبر المكان مبروكا، ومعظم زوار سيدي أبوالسعود من النساء، وهن
جمهور الزار غالبا، ذلك ان سيدي أبوالسعود يستعان به كولي في علاج العقم ولذلك
تتجه اليه النساء العقيمات وأيضا بعض الرجال، وفي العادة تذهب السيدة صباحا لزيارة
المقام والتبرك ثم تلتحق باحدى حضرات الزار، ويروي سكان الحي والمترددون على
المقام الكثير من الحكايات، بعضها يكاد يكون اسطوريا، حول قدرة الشيخ على علاج
العقم لدى السيدات ولدى الرجال أيضا!!
وعندما تشعر المريضة بحالة 'المس' أي تجاوز الخط الفاصل بين عالم الإنسان وعالم الجن، وهو خط وهمي يفترض وجود عالمين بينهما حدود قاطعة، تذهب المريضة إلى الكودية المسؤولة عن عملية فض هذا المس. وتذهب في الغالب بناء على نصيحة من الأقارب أو الجيران الذين لهم خبرة بذلك. بالاضافة إلى استعداد المريضة نفسيا لتقبل هذه الفكرة والايمان بها. وتعرف الكودية بخبرتها وذكائها ما تعانيه المريضة ثم تأخذ منها 'الأطر' أي شيء من أثرها وليكن قطعة ملابس، وعندما تنام الكودية متوضئة وبعد قراءة بعض الأدعية تضع 'الاطر' أو الاثر تحت رأسها، وتنتظر الحلم، لأن الأحلام عندهم أحد أشكال الاتصال بالجن أو الأسياد، ومنها تعرف مشكلة المريضة وسرها، وهذا ما يعرف عندهن باسم كشف 'الأطر'.. وتختلف الكوديات في عملية الاتصال بالجن، فبعضهن يسمعن كلام الجن وبعضهن يشعرن جسديا بوجودهم وهناك من ترى الجن في الأحلام أو في الحياة الواقعية، ولابد للكودية أن تكون متدينة، حافظة لآيات من القرآن الكريم، وبعض القصص من حياة الرسول والصحابة وأولياء الله الصالحين وان تحفظ بعضا من الأحاديث النبوية والأدعية المتوارثة فضلا عن المعرفة بكثير من قدامى مشايخ الزار وأدعيتهم وكراماتهم وبعد ان تعرف سر المريضة تذهب إليها في اليوم التالي مباشرة أو خلال ثلاثة أيام وتصارحها بأسباب حالتها وما يجب ان تفعله بالضبط وأوامر الأسياد ومطالبهم، حتى يكون لها الشفاء.
ويقدم الزار عدة وظائف وأدوار منها ما هو نفسي، فهو يقوم على علاج الوهم بالوهم، واشباع الرغبات المكبوتة في بعض الحالات، بل يقوم في جزء منه على الحيل الدفاعية التي تحدث عنها فرويد كأن تزعم سيدة -مثلا- انها تزوجت من احد الجان، وانه حرم عليها ان تلمس أو تقترب من أي انسان، وذلك لمنع اتصالها بزوجها الذي لا يمكنها مصارحته بانها تكرهه ومن جانب آخر فانها تشبع رغبتها في الوهم مع هذا الجان، الذي يصل في ظل التوتر والكبت إلى تجسيد حقيقي للجان، وهناك حالات لسيدات يمسهن جان وتحديدا روكش أو 'روكوشة هانم' وهي جنية عبارة عن طفلة تحب الجلوس وتعشق الشيكولاتة وتلعب بعروسة، وفي هذه الحالة عندما تسمع السيدة الممسوسة دقة 'روكش' تتحول إلى طفلة وترتدي ملابس الاطفال وتأكل الحلوى والشيكولاتة وتلعب بالعروسة، وكل هذا يتم أثناء رقصة الزار وتظل ترقص حتى تصل إلى اغماءة قصيرة تفيق بعدها وهي منشرحة الصدر، ومن وجهة نظر علم النفس هي حالة نكوص للطفولة، وهي حالة نفسية يرتد فيها الإنسان إلى مرحلة الطفولة وهذه حيلة نفسية دفاعية تعبر عن عجز البعض عن مواجهة الحياة ومشكلاتها.
وعندما تشعر المريضة بحالة 'المس' أي تجاوز الخط الفاصل بين عالم الإنسان وعالم الجن، وهو خط وهمي يفترض وجود عالمين بينهما حدود قاطعة، تذهب المريضة إلى الكودية المسؤولة عن عملية فض هذا المس. وتذهب في الغالب بناء على نصيحة من الأقارب أو الجيران الذين لهم خبرة بذلك. بالاضافة إلى استعداد المريضة نفسيا لتقبل هذه الفكرة والايمان بها. وتعرف الكودية بخبرتها وذكائها ما تعانيه المريضة ثم تأخذ منها 'الأطر' أي شيء من أثرها وليكن قطعة ملابس، وعندما تنام الكودية متوضئة وبعد قراءة بعض الأدعية تضع 'الاطر' أو الاثر تحت رأسها، وتنتظر الحلم، لأن الأحلام عندهم أحد أشكال الاتصال بالجن أو الأسياد، ومنها تعرف مشكلة المريضة وسرها، وهذا ما يعرف عندهن باسم كشف 'الأطر'.. وتختلف الكوديات في عملية الاتصال بالجن، فبعضهن يسمعن كلام الجن وبعضهن يشعرن جسديا بوجودهم وهناك من ترى الجن في الأحلام أو في الحياة الواقعية، ولابد للكودية أن تكون متدينة، حافظة لآيات من القرآن الكريم، وبعض القصص من حياة الرسول والصحابة وأولياء الله الصالحين وان تحفظ بعضا من الأحاديث النبوية والأدعية المتوارثة فضلا عن المعرفة بكثير من قدامى مشايخ الزار وأدعيتهم وكراماتهم وبعد ان تعرف سر المريضة تذهب إليها في اليوم التالي مباشرة أو خلال ثلاثة أيام وتصارحها بأسباب حالتها وما يجب ان تفعله بالضبط وأوامر الأسياد ومطالبهم، حتى يكون لها الشفاء.
ويقدم الزار عدة وظائف وأدوار منها ما هو نفسي، فهو يقوم على علاج الوهم بالوهم، واشباع الرغبات المكبوتة في بعض الحالات، بل يقوم في جزء منه على الحيل الدفاعية التي تحدث عنها فرويد كأن تزعم سيدة -مثلا- انها تزوجت من احد الجان، وانه حرم عليها ان تلمس أو تقترب من أي انسان، وذلك لمنع اتصالها بزوجها الذي لا يمكنها مصارحته بانها تكرهه ومن جانب آخر فانها تشبع رغبتها في الوهم مع هذا الجان، الذي يصل في ظل التوتر والكبت إلى تجسيد حقيقي للجان، وهناك حالات لسيدات يمسهن جان وتحديدا روكش أو 'روكوشة هانم' وهي جنية عبارة عن طفلة تحب الجلوس وتعشق الشيكولاتة وتلعب بعروسة، وفي هذه الحالة عندما تسمع السيدة الممسوسة دقة 'روكش' تتحول إلى طفلة وترتدي ملابس الاطفال وتأكل الحلوى والشيكولاتة وتلعب بالعروسة، وكل هذا يتم أثناء رقصة الزار وتظل ترقص حتى تصل إلى اغماءة قصيرة تفيق بعدها وهي منشرحة الصدر، ومن وجهة نظر علم النفس هي حالة نكوص للطفولة، وهي حالة نفسية يرتد فيها الإنسان إلى مرحلة الطفولة وهذه حيلة نفسية دفاعية تعبر عن عجز البعض عن مواجهة الحياة ومشكلاتها.
والطريف في الزار انه
لا يمكن القول نهائيا عن المريضة انها مجنونة هي فقط تعبانة أو مشغولة البال وهذا
ما يطالب به حرفيا علماء النفس وفي مثل هذه الحالات يمكن ان يكون الزار مفيدا
وعلاجا حقيقيا، وهناك حالات بسيطة يمكن ان يحلها الزار، كأن تذهب فتاة عانس إلى
الزار وتدعي ان جنيا يحبها ويحول بينها وبين الزواج، ويمنع أي شاب من التقدم
اليها، فإذا تزوجت فيما بعد يكون الزار قد نجح، وإذا لم تتزوج لا يكون السبب انها
ليست جميلة مثلا أو تجاوزت السن، ولكن الجني عنيد جدا ومتمسك بها عشقا. والزار
يمكن ان يكون علاجا نفسيا جماعيا، فالعلاج يتم امام الجميع، والكل تعبان ولديه سبب
التعب، ولا تشعر المريضة بالخجل من 'التفقير' أو السقوط على الأرض أو البكاء، كما
انها تعلن سواء بالكلام أو بالحركة عن سبب التعب، وتعامل المريضة بكل اهتمام وعطف
من الجميع، وتستمع إلى زميلاتها الاقدم في الزار وتتبادل معهن الخبرة.. وهذه كلها
انماط من العلاج يقرها الطب النفسي الحديث.
وهناك زار الجبل وزار البحر، وكل منهما يعتبر رحلة خلوية، ففي زار البحر تأخذ النساء سفينة كبيرة من شاطئ النيل بروض الفرج ومعهن فرقة الزار والكودية بالاضافة إلى الأطعمة ويقضين يوما كاملا، إلى جانب مياه النيل، وتبحر السفينة مسافة قصيرة إلى جزيرة الوراق وهناك تفرش الملاءات، ويبدأ الحفل، وتتخلله فترات راحة لتناول الشاي أو طعام الغداء، وبعد الغروب يبدأن جمع الأشياء والاستعداد للعودة، وكله بأمر الأسياد والحقيقة انهن يكن قد قضين يوما ممتعا، مما يحقق لهن قدرا من السعادة، وزار الجبل يكون كذلك ويتجهن إلى حي الامام الشافعي، بجوار جامع سيدي عقبة، وهكذا يقضين يوما كاملا بعيدا عن ضوضاء المدينة وخارج منازلهن والروتين اليومي، وممارسة بعض الرقصات التي تبهجهن بسماع الموسيقى وزغاريدهن، وبهذا يخرجن من حياتهن الضيقة جدا إلى عالم ارحب وأوسع، يمكنهن فيه التعبير بحرية عن أنفسهن، بلا كبت ولا قيود ودون ضغوط، ورغم ان الشكل المباشر هو الاستجابة لطلبات الاسياد 'الجان' وتنفيذ أوامرهم، التي لا يمكن مخالفتها والا يكون العقاب صارما على من يعترض، فان الحقيقة أن الامر كله هو أسلوب من أساليب مواجهة مشاكل حياتهن.
ولهذه الأسباب وغيرها، بدأ بعض الباحثين التعامل مع الزار من منظور مختلف، ليس منظور التحريم الديني أو الادانة الثقافية باعتباره من أشكال الدجل والشعوذة، ولكنه فولكلور شعبي يجب تفهمه واحترامه، إذ انه يلبي احتياجا لدى قطاعات معينة في المجتمع، حرمت من الحقوق، فهناك من يذهب إلى الزار طلبا للمتعة والراحة وفراغ البال، فليس كل من يذهب إلى الزار يكون مريضا، فهناك المريدون والأحباب، كما يقال عنهم، هؤلاء يستمتعون بألحان وعروض الزار، وقد يكون فرارا وهروبا من واقع وزمان غير مرض إلى حالة أكثر رضا، وربما طلبا لربط الأنا الفردية بالكيان المشترك للناس أو الأنا الجماعية، وهو نوع من تحويل الفردية الواحدية الى فردية اجتماعية، ومن هنا فان الزار شكل للاندماج الاجتماعي في الواقع، وبعض الأطباء النفسيين يعتبرونه محاولة للتعويض من الحرمان الفردي أو العام، أو هو محاولة من الأغلبية الصامتة للخروج عن صمتها، وبما لا يجعلها تتصادم مع النظام العام.. وبهذا المعنى يصبح الزار لحظة حرية لا يجدها الفرد في حياته اليومية بكل همومها، في جو الزار يحصل المريض أو المريضة وكذلك المريد أو المريدة على أكبر قدر ممكن من الاثارة النفسية والانفعالية والجسدية وذلك من خلال الأغاني والرقص والموسيقى، فكل هذا يخلق جوا احتفاليا، فالزار مثل الفرح، بغض النظر عما فيه من حالات بكاء وصراخ أحيانا، كما ان 'التفقير' في هذا الجو الاحتفالي الصاخب يحدث نوعا من التطهير، بالمعنى الأرسطي، من الكبت الانفعالي والنفسي بل والجنسي أحيانا وهذا التطهير يحقق التوازن النفسي، حتى لو لم يكن المشارك فيه مريضا بالفعل
وهناك زار الجبل وزار البحر، وكل منهما يعتبر رحلة خلوية، ففي زار البحر تأخذ النساء سفينة كبيرة من شاطئ النيل بروض الفرج ومعهن فرقة الزار والكودية بالاضافة إلى الأطعمة ويقضين يوما كاملا، إلى جانب مياه النيل، وتبحر السفينة مسافة قصيرة إلى جزيرة الوراق وهناك تفرش الملاءات، ويبدأ الحفل، وتتخلله فترات راحة لتناول الشاي أو طعام الغداء، وبعد الغروب يبدأن جمع الأشياء والاستعداد للعودة، وكله بأمر الأسياد والحقيقة انهن يكن قد قضين يوما ممتعا، مما يحقق لهن قدرا من السعادة، وزار الجبل يكون كذلك ويتجهن إلى حي الامام الشافعي، بجوار جامع سيدي عقبة، وهكذا يقضين يوما كاملا بعيدا عن ضوضاء المدينة وخارج منازلهن والروتين اليومي، وممارسة بعض الرقصات التي تبهجهن بسماع الموسيقى وزغاريدهن، وبهذا يخرجن من حياتهن الضيقة جدا إلى عالم ارحب وأوسع، يمكنهن فيه التعبير بحرية عن أنفسهن، بلا كبت ولا قيود ودون ضغوط، ورغم ان الشكل المباشر هو الاستجابة لطلبات الاسياد 'الجان' وتنفيذ أوامرهم، التي لا يمكن مخالفتها والا يكون العقاب صارما على من يعترض، فان الحقيقة أن الامر كله هو أسلوب من أساليب مواجهة مشاكل حياتهن.
ولهذه الأسباب وغيرها، بدأ بعض الباحثين التعامل مع الزار من منظور مختلف، ليس منظور التحريم الديني أو الادانة الثقافية باعتباره من أشكال الدجل والشعوذة، ولكنه فولكلور شعبي يجب تفهمه واحترامه، إذ انه يلبي احتياجا لدى قطاعات معينة في المجتمع، حرمت من الحقوق، فهناك من يذهب إلى الزار طلبا للمتعة والراحة وفراغ البال، فليس كل من يذهب إلى الزار يكون مريضا، فهناك المريدون والأحباب، كما يقال عنهم، هؤلاء يستمتعون بألحان وعروض الزار، وقد يكون فرارا وهروبا من واقع وزمان غير مرض إلى حالة أكثر رضا، وربما طلبا لربط الأنا الفردية بالكيان المشترك للناس أو الأنا الجماعية، وهو نوع من تحويل الفردية الواحدية الى فردية اجتماعية، ومن هنا فان الزار شكل للاندماج الاجتماعي في الواقع، وبعض الأطباء النفسيين يعتبرونه محاولة للتعويض من الحرمان الفردي أو العام، أو هو محاولة من الأغلبية الصامتة للخروج عن صمتها، وبما لا يجعلها تتصادم مع النظام العام.. وبهذا المعنى يصبح الزار لحظة حرية لا يجدها الفرد في حياته اليومية بكل همومها، في جو الزار يحصل المريض أو المريضة وكذلك المريد أو المريدة على أكبر قدر ممكن من الاثارة النفسية والانفعالية والجسدية وذلك من خلال الأغاني والرقص والموسيقى، فكل هذا يخلق جوا احتفاليا، فالزار مثل الفرح، بغض النظر عما فيه من حالات بكاء وصراخ أحيانا، كما ان 'التفقير' في هذا الجو الاحتفالي الصاخب يحدث نوعا من التطهير، بالمعنى الأرسطي، من الكبت الانفعالي والنفسي بل والجنسي أحيانا وهذا التطهير يحقق التوازن النفسي، حتى لو لم يكن المشارك فيه مريضا بالفعل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق