صوته المجلجل يهز اركان القهوة وهو يلقى بقصائده
الناريه على مسمع محبيه من شباب الحى المتحمس فيحمل على الأعناق ويطوفوا به
الحوارى والأزقة المظلمة بعيدا عن الشوارع الرئيسية والميادين التى يحتلها جنود
الأمن المركزى التى تفتك بالمتظاهرين لو مروا بها وكأنه اتفاق بين الطرفين باللاسلم
واللاحرب ولكن كانت هناك حرب من نوع آخر لزوار الفجر للقبض عليهم.. وتقلص عدد
الشباب المتحمس ولم يعد يظهر فى القهوة ألا القليل منهم وحلت مكانهم وجوه غبية
وكئيبه من السريين والجميع متوقع ان يتم القبض على شاعر القصائد النارية فى اى وقت
ويختفى مثل باقى المختفين ولكنه كان يظهر ويختفى على فترات حتى ظهر فى برنامج تليفزيونى وهو يلقى قصيدة عصماء
انتهت ببكائية فى مدح الزعيم .. كانت دموعه حقيقية تجعلك تبكى عليه واختفى من
القهوة ولم يحضر الا لماماً مرتدياً اشيك الملابس ويركب احدث السيارات وأصبح دائم
الظهور فى المؤتمرات والمسيرات المؤيده والسهرات الشعرية فى التلفاز قابلته
بالمصادفة وهو يستعد لركوب سيارته فى جراج متعدد الطوابق فتجاهلته ولكنه جرى
ناحيتى واحتضننى فى شوق ولهفه فوقفت متخشبا حائرا كيف اتصرف معه وأنا من داخلى
يغلى من خيانته فقلت له : بعت نفسك ياشاعر ..قال مستنكرا : لا بل دمرونى .. ولماذا
استسلمت
قال بصوت منكسر : اسمع حكايتى اولا لتعرف هل
بعت او دمرت.. أعتقلونى لعدة أيام شاهدت نوع واحد فقط من انواع التعذيب تشيب له
الولدان فى عنبر1 وأنتظرت دورى لأعذب ولكنهم أطلقوا سراحى فالصدمة ألجمت لسانى عدة
أيام عدت بعدها لألقى قصائد مشوشه وفى الفجر أخذونى وأدخلونى عنبر التعذيب رقم 2 فأهتزت
جميع فرائضى وبكيت وأنتظرت دورى لأعذب ولكنهم أطلقوا سراحى فتاهت من رأسى القوافى
والجمل وأصبح شعرى كله آهات وبكاء وفى فجر اليوم الثالث أخذونى وأدخلونى عنبر
التعذيب رقم 3 فسقطت مغشيا عليا من هول ماشاهدت ومكثت فى بيتى مريضا وكأن السياط التى رأيتها
كانت فوق جسدى واظافرى وشعرى وأسنانى ..عذبونى معنويا وسحقوا فى داخلى
الأنسان وقتلوا الشاعر الثائر بدم بارد وبعدها اخذونى فى زيارة لمقابر الضحايا وقالوا
لى بأن قصائدى هى التى أسكنتهم القبور فأزداد بكائى وأنكسارى وخيرونى بين العذاب
حتى الموت والحياة المنعمه المرفهة واصبحت
كما ترى ورقة بيضاء يكتب فيها الظالم ما يشاء
لأقرأ منها اشعار الذل والعار ..
شددت على يده وودعته قائلا : لا تيأس ياولدى
وأصبر وأحتسب ..دولة الظلم ساعة ودولة الحق إلى يوم الساعة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق